القانون المقارن


جريمة غسيل الأموال في التشريع المغربي
دراسة مقارنة
مدخل تمهيد تمهيدي
      لا شك أن أي تنمية اقتصادية تتطلب تحصين السوق الاقتصادية من مختلف المعيقات و الحواجز المختلفة، و سلامتها من الأموال الملوثة. و لتحقيق تلك الغاية يلزم أن تكون المعاملات التجارية شفافة و تحترم الضوابط القانونية و النظام العام الاقتصادي، و إلا انعكس ذلك إلى أزمات تتمظهر في انهيار المؤسسات المالية  و ضياع حقوق المتعاملين معها و المستفيدين من خدماتها[1].
   لهذه الأسباب تدخل المشرع الجنائي في مختلف الدول ليجرم كل أشكال الاتجار غير المشروع في المواد المحظورة و كل الممارسات التي من شأنها الإخلال بالعملية الاقتصادية.
   و لكون مجال الأعمال واسع و متعدد العلاقات، فلا بد من نهج سياسة واضحة في هذا الميدان تروم حماية المحيط الاقتصادي من الممارسات اللامشروعة[2].
  وفي هذا الصدد عقدت اتفاقية فيينا عام 1988  المتعلقة بالتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية[3]، حيث تنص المادة الثالثة منها على تجريم الأفعال الناتجة عن تجارة المخدرات من قبيل تبييض الأموال.
  وتلت هذه المبادرة اتفاقيات دولية أخرى، مما حدا بمشرعي مختلف التشريعات الحديثة إلى سن قوانين لمكافحة تبييض الأموال.
  أما في بلادنا فإن القانون الجنائي في الفصل 571 يجرم إخفاء الأشياء المختلسة او المبددة أو المتحصل عليها في جناية أو جنحة؛ غير أن النص على تجريم تبييض الأموال لم يتأتى إلا في 2007 بصدور القانون 05ـ43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال[4].
   نحن إذن أمام جريمة مستجدة في المنظومة الجنائية المغربية، لذلك يحق لنا التساؤل عن ماهية هذه الجريمة و طبيعتها كيف تنشأ ؟ كما يتعين التساؤل عن الآليات و المقتضيات الإجرائية المرصودة لمواجهتها ؟
   هذا ما سنحاول الإجابة عنه بمقاربة تحليلية و مقارنة وفق المقترب الميتودولوجي
الآتي بعده.
التصميم المعتمد:
v                    المبحث الاول: ماهية جريمة غسل الاموال و تكوينها
            المطلب الاول: مفهوم جريمة غسل الاموال و صورها
          المطلب الثاني: عناصر جريمة غسل الأموال ومراحل تكونها

v                    المبحث الثاني: اليات ضبط جريمة غسل الاموال
         المطلب الأول: الأطراف والأجهزة المتدخلة في ضبط عمليات غسيل الأموال
        المطلب الثاني: كيفية تحريك المتابعة العقوبة المقررة عند ثبوت الجريمة
المبحث الاول: ماهية جريمة غسل الاموال و تكوينها
  يتطلب منا البحث في ماهية جريمة  غسل الاموال، تحديد مفهومها و صورها (المطلب الاول) معتمدين في دلك على التحديد القانوني لها، مع العلم  أن الجريمة لها أبعاد أخرى اقتصادية و اجتماعية، على أن تحديد المعالم القانونية لهذه الجريمة لن يتأتى إلا بدراسة العناصر المكونة لها (المطلب الثاني)، وفي كلا المطلبين سنستعين بموقف بعض التشريعات المعاصرة لاستجلاء مختلف جوانبها.
المطلب الاول: مفهوم جريمة غسل الاموال و طبيعتها و صورها
     الفقرة الاولى: تعريف جريمة غسل الأموال
         تأتي جريمة غسل الأموال في مقدمة الأشكال الجديدة للجريمة المنظمة والتي عرفت تطورات كبيرة ساهمت فيها الطفرة التي عرفتها وسائل الإعلام والاتصال حيث أصبحت هذه الجريمة لا تقتصر على المستوى الوطني للدول بل تعدته لتصبح جريمة دولية بكل المقاييس.
ولما كانت جريمة غسل الأموال مخالفة للسياسات الاقتصادية لمختلف دول العالم ، كان من الطبيعي جدا أن يظهر أثرها السلبي على الاقتصاد العالمي بأسره ، مما يمكن معه للمرء أن يجزم بأنها جريمة لم ولن ترتبط بدولة معينة أو نظام إيديولوجي معين بذاته . وإذا كان الأمر كذلك ، فما المقصود بجريمة غسل الأموال ؟
         إذا ما رجعنا إلى جل التشريعات وكذا الاجتهادات الفقهية التي تناولت جريمة غسل الأموال فسنجدها تنقسم فيما يخصى التعريفات التي أعطتها لهذه الجريمة إلى قسمين : ضيق و واسع[5] .
    فالاتجاه الاول يستوجب لقيام الجريمة أن تسبقها جرائم أولية تحدد على سبيل الحصر كما سارت على ذلك اتفاقية فيينا[6].
   أما الاتجاه الثاني فيعاقب على فعل التبييض مهما كان المصدر غير المشروع  للأموال و أيا كانت الجريمة السابقة لذلك الفعل. كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الكويتي الذي  يعرف غسل الأموال بكونها " عملية او مجموعة عمليات مالية و غيرمالية تهدف إلى إخفاء المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة او إظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع..."[7]. و عل هدا النهج سار حتى المشرع الفرنسي[8].
     في حين يعرفها المشرع المصري بأنها " كل سلوك ينطوي على اكتساب اموال او حيازتها او التصرف فيها او إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها او ضمانها و اسثمارها  أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في في المادة الثانية من هدا القانون مع العلم بذلك، متى كان القصد من هذا السلوك  إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال ."[9]
    أما المشرع المغربي فلم يعرف جريمة غسل الموال، بل اكتفى بجرد الأفعالا المعتبرة مكونة للجريمة، وذلك في الفصل 574-1 ق.ج. كما حدد الجرائم التي تعد الأموال المتحصلة منها تبييضا للأموال( 2.574.ق.ج).
     وقد عرف محمد حركات غسيل الأموال" بأنه عملية يلجأ إليها من يعمل بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة أو غير المنظمة لإخفاء المصدر الحقيقي للدخل غير المشروع والقيام بأعمال أخرى للتمويه كي يتم إضفاء الشرعية على الدخل الذي تحقق"[10].
  الفقرة الثانية : طبيعة جريمة غسل الاموال و صورها
      أولا: في طبيعة جريمة غسل الأموال  
     استنادا على ما تقدم بيانه نجد مجموعة من الخصائص تميز جريمة غسل الأموال عن باقي الجرائم الأخرى وهي كالتالي :
§        غسل الأموال من الجرائم الاقتصادية: فهي جرائم مخالفة للتشريعات والقوانين الجنائية والاقتصادية التي تنظم مختلف أوجه النشاط الاقتصادي وتمثل بذلك تهديدا للمصلحة الاقتصادية.
§        غسل الأموال جريمة تابعة: أي أنها تفترض أن يسبقها ارتكاب فعل جرمي أولي تنتج عنه أموال غير مشروعة
§        غسل الأموال جريمة منظمة: فهي تندرج ضمن الجرائم المنظمة التي يكون غرضها هو كسب الأموال بأي طريقة، فهي تختاج إلى عنصر بشري منظم عن طريق منظمات أو تكتلات اجرامية لتسهيل و تسريع وقوعها[11].
§        غسيل الأموال جريمة مركبة ، لأنها تحتاج إلى فعلين تجريميين مستقلين: الأول يتجلى في ارتكاب جريمة أولية ينتج عنها مال، أما الثانية فتتمثل في غسل ذلك المال، و كل ذلك يتم مرورا من مرخلتين مختلفتين[12].
§        جريمة غسل الأموال جريمة عبر دولية، فغالبا ما تقع في مرخلتيها بين دولتين أو أكثر مما يزيدها صعوبة و تعقيدا في الكشف و الملاحقة القصائية[13].
ثانيا: صور/مظاهر غسيل الأموال
    تتعدد طرق غسل الأموال بدءا بالقطاع البنكي، مرورا بالمجال العقاري و الشركات التجارية، و بصفة عامة تتم عملبات غسيل الأموال في كافة المجالات الحيوية، و القصد من ذلك ـ كما سبق توضيحه ـ هو التعتيم و التظليل عن مصدرها الامشروع.
أ‌)       بالنسبة للسوق العقارية:  فقد شكلت دائما ملجأ لمبيضي الأموال، وذلك بشراء العقارات مباشرة، و إما بالقيام باسثمارات عقارية كإنشاء مؤسسات فندقية و سياحية و غيرها لإعطاء الشرعية للأموال الملوثة خاصة في الدول التي يوجد بها تقنين يجرم تبييض الاموال.
ب‌)   السوق المالية : حيث تنتقل الاسهم و السندات بسرعة فائقة، بحيث يصعب ضبطها مما يسهل على المبيضين القيام بعملياتهم، ذلك أن الاموال تضخ في هذه الاسواق دون التحري عن مصدرها.
ج) المؤسسات المالية غير المصرفية:  و ذلك لكونها أداة لانتقال الاموال بسرعة، و عادة ما يتم تحويل الاموال من بلد إلى آخر حيث تتم عملية الغسل.
د) القطاع البنكي: حيث يشكل بدوره مجالا لانتقال الاموال بعمليات معقدة و بسرعة متناهية، ناهيك عن أن استخدام التقنيات الحديثة يساهم في هده المرونة في خركية الاموال مثل البطائق الممغنطة، خاصة إذا كانت صالحة للاستعمال خارج الحدوج.
    هذا، و يضاف إلى ذلك استغلال المبيضين لتقنية عقد الاعتماد المستندي، و هو    عقد بنكي يتميز بطابعه الدولي، و يمكن في بعض صوره من سحب الأموال بين المتعاملين في أكثر من دولة وهو ما يحقق السيولة المالية المطلوبة في عملية الغسيل.
  ه) مجال الأعمال و الشركات : حيث يعمد المبيضين إلى خلق شركات وهمية يعقبها القيام بعمليات صورية و انتقال سندات بمبالغ غير حقيقية، و غالبا ما تكون التجمعات التجارية المرصودة لهذه الاغراض الامشروعة  غير إنتاجية [14].

المطلب الثاني: عناصر جريمة غسل الأموال ومراحل تكونها
         الفقرة الاولى : الركن المادي  و الركن المعنوي     
    أولا: الركن المادي
 يقصد بالركن المادي في علم القانون الجنائي العام صدور فعل خارجي من طرف الجاني بحيث يضرب الغير أو يحدث اضطرابا في المجتمع[15].
    ولعل الاضطراب الذي يحدثه تبييض الأموال من إخلال بالنظام العام الاقتصادي هو السبب في تجريمه.
     أما بخصوص الركن المادي في جريمة غسل الأموال فيتأتى بالصور التالية حسب الفصل 574 ق ج :
    اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات لإخفائها أو التمويه عن مصدرها الحقيقي عندما تكون متحصلة من الجرائم الوارد تعدادها في الفصل 574-2 من ق.ج[16]:
   * مساعدة مرتكب الأفعال السالفة الذكر للإفلات من العقاب.
  *  تسهيل التبرير الكاذب لمصدر ممتلكات وعائدات مرتكب الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2-574.
   * تقديم المساعدة أو المشورة في عمليات الحراسة أو التوظيف للأموال السالفة الذكر واستبدالها.
     أما المشرع الجزائري في الفصل 389 مكرر من قانون العقوبات فقد اعتبر الأفعال التالية مكونة لجريمة غسل الأموال:
·        تحويل الممتلكات ونقلها والتي تكون نتيجة أموال غير مشروعة.
·        المساعدة في عمليات الإيداع.
·        المساعدة في عملية الإخفاء والتحويل.
     أما المشرع الفرنسي، فبالرجوع إلى نص المادة 324.1 من قانون العقوبات نجد أن السلوك الذي يعتبر جريمة لغسل الأموال يتمثل في تمويه مصدر تلك الأموال والدخول غير المشروع، وتغطي هذه الصورة كافة الأفعال المسهلة للتبرير غير الصحيح لمصدر الأموال المتحصلة من جناية أو جنحة[17].
ونلاحظ بان المشرع الفرنسي على عكس قانون غسل الاموال المغربي لم يعين الجرائم الأولية التي تمهد لغسل الأموال.
      وإذا كان المشرع المغربي قد  سار على نهج اتفاقية" فيينا" بجرده للجرائم التي يتم توظيف الأموال المتحصل منها لاستخدامها في تبييض الأموال، فان التفسير الموسع لنص المادة 574-2 ق.ج، يجعلنا نميل للقول بان ذلك التعداد من الجرائم على سبيل المثال لا الحصر انسجاما مع فلسفة المشرع لمحاربة ظاهرة غسيل الأموال والجريمة المنظمة، وحتى لا نعتقد بان مشرعنا غافل عن الجرائم الأخرى التي تدر على مرتكبيها أموالا طائلة قد تجد طريقها للتبييض.
ثانيا:الركن المعنوي
   يقصد بالركن المعنوي في القانون الجنائي العام، علم الفاعل واتجاه إرادته للقيام بالجريمة[18]، وهذا ما يعرف بالقصد العام، وعليه فان مقترف الجرائم الأولية السالفة الذكر مدرك لعدم مشروعية تلك الأموال التي سيحصل عليها والتي سيستخدمها في مشاريع مشروعة، كما أن البنك الذي يعلم بالمصدر الملوث لتلك الأموال يكون مساهما في نشوء الجريمة.
   أما القصد الجنائي الخاص فيتأتى كما هو وارد في الفصل574-1 بعملية الإخفاء والتمويه.
لمصدر الأموال- الملوث- وهذا يعني أن اكتساب وحيازة أو استخدام تلك الأموال بحسن نية دون العلم بمصدرها اللامشروع لا يعد إتيانا للجريمة.
        الفقرة الثانية: مراحل غسيل الأموال
   استقرت الدراسات القانونية على أن غسيل الأموال يتم على ثلاثة مراحل تضاف إليهم مرحلة رابعة هي التدوير[19]:
1-     مرحلة الإيداع
وهي المرحلة التي تكون فيها المنظمات الإجرامية قد حصلت على أموال كبيرة نتيجة الأفعال التي قامت بها وتبحث عن كل السبل التي تستطيع من خلالها تنظيف هذه الأموال.
وتعرف بأنها دخول العائدات النقدية في نظام مالي يقوم على الأعمال. فأهمية هذه المرحلة تتمثل في التخلص من الشحنات الضخمة من النقد وتحويلها إلى أوراق مالية يمكن تداولها بسهولة مما يؤدي إلى الدخول في مرحلة التمويه.
2-مرحلة التمويه:
 وهي مرحلة التقسيم أو التغطية أي إدخال الأموال الغير الشرعية إلى نظام مالي وبعد ذلك فصل الدخل عن الأصل الذي نشب عنه كخلق طبقات معقدة من الصفقات تهدف إلى إخفاء معالمه وإبعاده عن المراقبة.
وفي الواقع إذا نجح المال ألغيه  المشروع في تخطي المرحلة الأولى الى مرحلة التمويه يصعب اكتشاف المال ألغيه المشروع.
3مرحلة الدمج:
   تأتي هذه المرحلة بعد المرحلتين سابقتين وهما مرحلة الإيداع والتمويه، حيث يتم إعادة ضخ الأموال التي تم غسلها في الاقتصاد بشكل سليم بأخذ مظهرا قانونيا.
وذلك بأن تدخل الأموال التي تكتسب بفعل غير مشروع إلى فعل تجاري مشروع.
بحيث يصعب حينها الفصل بين المال المشروع وغير المشروع، وبهذا ترجع إلى أيدي المنظمات الإجرامية لاستعمالها في الترف أو إعادة توظيفها في أعمال إجرامية أخرى.
4ـ مرحلة إعادة التوظيف أو التدوير:
  تقوم بإعادة توظيف هذه الأموال بشكل تبدوا فيه آتية من طريقة مشروعة بحيث يصعب على الجهات الأمنية اكتشافها وهي تقوم على عدة وسائل- التحويلات البرقية-البنوك الخاصة- سوق المزايدات العلنية-سماسرة العملة.

المبحث الثاني: اليات ضبط جريمة غسل الاموال
  سنحاول في هذا المبحث التطرق لتدابير مكافحة ظاهرة غسل الاموال ، و ذلك من خلال تبيان الاشخاص و الاجهزة التي اناط بها المشرع مهمة اتخاد تدابير الوقاية و الضبط ( المطلب الاول)، كما يتعين علينا الوقوف عند مسطرة تحريك المتابعة و العقوبات المقررة عند وقوع الجريمة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأطراف والأجهزة المتدخلة في ضبط عمليات غسيل الأموال
     بما أن عمليات غسيل الأموال لا تتم بصفة مستقلة ومجردة، وإنما يتم القيام بها باندماج مع عمليات مشروعة، وهذه الأخيرة تشرف عليها مؤسسات مالية و أشخاص معنوية أو أشخاص ممارسين لمهن ذات الصلة أو بصفة عامة أصحاب المهن الحرة، وقد خص المشرع هؤلاء بتسمية" الأشخاص الخاضعين"( أولا)، هذا ولا يتأتى زجر أية جريمة إلا بتدخل القضاء وفي جريمة غسيل الأموال يبرز دور المحكمة الابتدائية بالرباط( ثالثا) أما الجهاز المكلف بالتنسيق بين كل المتدخلين فقد احدث المشرع الوحدة( ثانيا).
    اولا: الأشخاص الخاضعين والتزاماتهم
     نصت على هؤلاء المادة الثانية من الفرع الأول من الباب الثاني من القانون 05-43 بقولها على أن "أحكام هذا الباب تطبق على الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام أو القانون الخاص مع استثناء الدولة، وذلك عند قيامهم بمهامهم بانجاز عمليات تترتب عنها تحركات للأموال أو يقومون بمراقبتها أو يقدمون استشارات بشأنها".
ويبدو من صياغة المشرع للفقرة التالية من المادة المذكورة أن هؤلاء غير مذكورين على سبيل الحصر باستعمال عبارة " يعتبر على الخصوص الأشخاص التالي بيانهم"
  وبناء على ذلك، بالإضافة إلى الأشخاص الواردة في اللائحة بعده يدخل في نطاق هذا النص كل شخص يثبت انه يمتهن مهنة مشابهة أو يقوم بعمليات مماثلة كما تقدم بيانه.
  أما الأشخاص الذين خصهم المشرع بالتحديد فهم:
1.     مؤسسات الائتمان.
2.     الأبناك والشركات القابضة الحرة.
3.     الشركات المالية.
4.     مقاولات التأمين وإعادة التأمين.
5.     مراقبو الحسابات والمحاسبون الخارجيون والمستشارون في المجال الضريبي.
6.     الأشخاص المنتمون لمهنة قانونية مستقلة، عندما يشاركون باسم زبونهم، وكسابه في مختلف معاملاته، المالية والعقارية.
7.     الأشخاص الذين يستغلون كازينوهات أو مؤسسات ألعاب الحظ.
     و قد ألزم  المشرع على هؤلاء الإبلاغ  عن كل عملية يشتبه أن تكون تبييضا للأموال ، كما نص على عقوبة من يتواطؤ في عمليات للتبييض. غير أن السآل المطروح هو إلى أي حد سيحترم هؤلاء الإلتزامات المفروضة عليهم بمقتضى هذا القانون، خاصة المؤسسات البنكية؟ .

ثانيا : الوحدة
    أسست هذه الوحدة بموجب المادة 14 من قانون 05-43 التي قضت بأنه " تحدث بنص تنظيمي لدى الوزارة الأولى وحدة لمعالجة المعلومات المالية تسمى في هذا القانون " الوحدة".
    غير أن ما يلاحظ أن المشرع لم يتحدث في هذا النص أو في نص آخر من تأليف هذه الوحدة وإعفائها.
    والأرجح أن ذلك متروك لسلطة الوزير الأول- صاحب السلطة التنظيمية- وبالمقابل تحدثت المادة 15 من القانون المذكور عن مهام هذه الوحدة وهي كالأتي:
1.     جمع ومعالجة المعلومات المرتبطة بغسل الأموال واتخاذ القرار بشأن مآل القضايا المعروضة عليها.
2.     تكوين قاعدة للمعطيات المتعلقة بعمليات غسل الأموال.
3.     الأمر بإجراء التحريات بشأن العمليات المذكورة.
4.     التعاون والمشاركة مع الهيئات والمصالح الأخرى المتدخلة في اتخاذ تدابير مكافحة غسل الأموال.
5.     التمثيل المشترك لتلك الهيئات والمصالح.
6.     اقتراح أي إصلاح تشريعي أو إداري على الحكومة بخصوص غسل الموال.
7.     إبداء الرأي للحكومة بخصوص التدابير المتعلقة بتطبيق أحكام الباب المتعلقة بالوقاية.
    كما نصت الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة على ان الوحدة تحدد مبالغ العمليات، وكذا الشروط الخاصة بالعمليات التي تستلزم تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال.
وهي ملزمة بإعداد تقرير سنوي عن أنشطتها وتقديمه للوزير الأول.
ثالثا: المحكمة المختصة
 يتبين من قراءة اامواد 17 و 18 و 19 من قانون مكافحة غسل الاموال أن الاختصاص في جرائم غسل الأموال ينعقد للمحكمة الابتدائية بالرباط ، مما يجعلنا نتساءل عن غاية المشرع من ذلك ؟، و لعل السبب في ذلك هو خصوصية هده الجريمة التي تفرض تعاملا خاصا من الناحية ال؟إجرائية سنتوقف عندها في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: كيفية تحريك المتابعة العقوبة المقررة عند ثبوت الجريمة
كما هو معلوم فإن لكل جريمة إجراء ت تقاضي نظمها المشرع وفق مواد محددة، والجريمة التي نحن بصدد دراستها، كما سبق الذكر، ينظمها قانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال حيث نص في مواده من 16 إلى 20 على الإجراءات المسطرية لتحريك متابعة الدعوى، حيث أوجب على الشخص الخاضع أن يشعر الوحدة فورا .وكتابة كل معلومة من شأنها تغيير التقديرات التي يبنى عليها التصريح بالانتباه حين تقديمه.
وبمجرد توصل الوحدة بمعلومات تبرز وجود أفعال من شأنها أن تكون جريمة غسل الأموال. تحيل الأمر على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية مبنية إذا اقتضى الحال ذلك. مصالح البحث أو التحري أو مصالح الاشراف والمراقبة التي تم إبلاغها من أجل القيام بالتحريات.
ويبلغ وكيل الملك الوحدة بالقرارات النهائية الصادرة في القضايا التي أحيلت عليه، كما يجوز لوكيل الملك أن يأمر خلال مرحلة البحث ولمدة لا تتجاوز شهرا قابلة للتجديد مرة واحدة بما يلي:
- التجميد بالمنع المؤقت لتحويل أو استبدال الممتلكات أو التصرف فيها أو تحريكها.
- أو تحديد هيئة أو مؤسسة خاصة بهدف القيام مؤقتا بحراسة أو مراقبة الممتلكات
ويمكن كذلك لوكيل الملك أو لقاضي التحقيق. أن يأمر بحجز ممتلكات الأشخاص الطبيعين والأشخاص المعنوية المشتبه في تورطهم مع أشخاص أو منظمات أو أنشطة لها علاقة بجرائم غسل الأموال حتى في حالة عدم ارتكابها داخل تراب المملكة.
هذا عن إجراءات تحريك المتابعة في جريمة غسل الأموال، أما عن العقوبات المقررة لها، فقد نظمها قانون 43.05 في الفصل 3-574 – بحيث تناول العقوبات الأصلية، وميز فيها بين الحالة التي تكون فيها الجريمة بسيطة، وبين الحالة التي تكون فيها هذه الأخيرة مقترنة بظرف من ظروف التشديد. ثم تطرق بعد ذلك للعقوبات الإضافية قبل أن يتحدث في الأخير عن ظروف التخفيف بالإعفاء.
ونحن بصدد دراسة عقوبات جريمة غسل الأموال سنتتبع المنهجية التي وضعها المشرع من خلال الفصل السالف الذكر، حيث تتغير العقوبات الأصلية في جريمة غسل الأموال بحسب ما إذا كانت الجريمة بسيطة أو مقترنة بظروف التشديد، حيث نجد أن الجريمة البسيطة تختلف بحسب طبيعة الشخص المرتكب لها هل هو شخص طبيعي؟ أو شخص معنوي؟
فإذا كان من الأشخاص الطبيعين، فإن العقوبة المقررة في الفصل 574 تتكون من الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة مالية من 20.000 إلى 100.000 درهم. وهذا على خلاف ما أتى به التشريع الفرنسي، والذي أقر حدا تابتا للعقوبة حدده في 5 سنوات وغرامة تقدر ب 7500.00 أورو. غير أنه يجوز للمحكمة أن ترفع هذه الغرامة إلى نصف المبالغ أو العائدات التي تم تحصيلها بطرق غير شرعية.
أما إذا كان المرتكب للجريمة من الأشخاص الاعتباريين، فبرجوعنا إلى الفصل 3-574 من ق. 43.05 نجده حدد عقوبة  أصلية وحيدة تطبق على الأشخاص الاعتباريين المتورطين في هذه الجريمة وهي عبارة عن غرامة تتراوح بين 500.00 إلى 3000.00 درهم، دون الإخلال بالعقوبات التي قد يحكم بها على المسيريين والمستخدمين وبالتالي فإن المشرع قلص من أعمال السلطة التقديرية للمحكمة في اختيار ما يناسب من العقوبات عندما حدد عقوبة وحيدة. وذلك على خلاف المشرغ الفرنسي الذي جاء بمجموعة من الجزاءات حتى يعطي للمحكمة السلطة التقديرية في اختيار ما يلاءم من الجزاءات بحسب ملابسات كل جريمة على حدة. ومن بين هذه العقوبات نجد إمكانية الحكم بغرامة تعادل أو تفوق خمسة أمثال الغرامة المقررة للشخص الطبيعي. كذلك نجد إمكانية الوضع تحت الإشراف القضائي لمدة لا تتجاوز 5 سنوات.
ç ومن خلال هذه المقارنة بين العقوبة في التشريعيين الفرنسي والمغربي، يتضح جليا أن هذا الأخير قد وضع عقوبات بسيطة لا تتلائم وخطورة هذه الجريمة. وبذلك فعوض أن يحد من مخاطرها يشجع عليها خاصة بالنسبة للأشخاص المعنوية المليئة الذمة، لذا نتطلع إلى المشرع المغربي، حتى يبادر إلى رفع هذه العقوبات بحلول أقرب تعديل للقانون 43.05.
  أما إذا كانت جريمة الغسل مقترنة بظرف تشديد، فإن المشرع المغربي رفع عقوبتها إلى الضعف وهي الصورة المنصوص عليها من خلال الفصل 4-574 كالتالي:
-                          عندما ترتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها مزاولة نشاط مهني.
-                          عندما يتعاطى الشخص بصفة اعتيادية لعمليات غسل الأموال.
-                          عندما ترتكب الجرائم في إطار عصابة منظمة.
-                          في حالة العود.
-                          أما العقوبات الإضافية فتعرف أيضا بالعقوبات التكميلية، وقد نص عليها القانون خلال الفقرة 5 من الفصل 5-574 الذي يجري سياقه على ما يلي "يعاقب مرتكبو جريمة غسل الأموال بواحدة أو أكثر من العقوبات الإضافية التالية:
1-      المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة منها مع حفظ حق الغير الحسني النية، ويجب دائما الحكم بها في الإدانة.
2-      حل الشخص المعنوي.
3-      نشر المقررات المكتسبة لقوة الشيء المقضي به الصادرة بالإدانة بواسطة جميع الوسائل الملائمة على نفقة المحكوم عليه .
يمكن علاوة على ذلك الحكم على مرتكب جريمة غسل الأموال بالمنع المؤقت أو النهائي. من أن يزاول بصفة مباشرة أو غير مباشرة واحدة أو أكثر من المهن أو الأنشطة أو الفنون التي ارتكبت الجريمة أثناء مزاولتها.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي ومن خلال الفصل 7- 574 قد مكن الفاعل أو المساهم أو المشارك الذي يبلغ السلطات المختصة قبل علمها عن الأفعال المكونة لمحاولة ارتكاب جريمة غسل الأموال من الاستفادة من الإعفاء النهائي من العقوبة ، وذلك وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 143 إلى 145 من القانون الجنائي .
كما أن أحد الجنات الذي يبلغ عن الجريمة بعد وقوعها يستفيد حتما من تخفيض العقوبة إلى النصف .


[1] و كمثال على دلك ما وقع في مؤسسة انرون ب و.م.أ، راجع: روبن بلاكبورن، " انهيار انرون و أزمة صناديق المعاشات الأمريكية"، ترجمة جعفر جميل أبو ناصر،مجلة التقافة العالمية،الكويت، السنة 22 ، ينايرـفبراير 2003، العدد 116، ص 64.
[2] حول أبعاد السياسة الجنائية في ميدان الأعمال أقترح: عبد المجيد غميجة،" دور العدالة الجنائية في ميدان الاعمال و الاقتصاد: المقاولة و السياسة الجنائية"، عرض مقدم امام المناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية المنظمة من طرف وزارة العدل بمكناس، 9ـ11 دجنبر 2004.
[3] صادق عليها المغرب سنة 2002.
[4] الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 10779 بتاريخ 28 ربيع الاول /17 أبريل 2007، الجريدة الرسمية عدد 5522 بتاريخ 3 ماي 2007 ص 1359.
[5] محمد النباوي، "تجريم تبييض الاموال: أي نمودج يصلح للمغرب"، السياسة الجنائية بالمغرب: واقع و افاق، المجتد الاول: الاعمال التحضيرية،الندوة المقامة بمكناس ايام 9ـ10ـ11 دجنبر 2004. منشورات نشر المعلومة القانونية و الفصائية، سلسلة الندوات و الايام الدراسية، العدد 3، ،2004. ص 57.
[6]  انظر المادة 3 ، البند2، فقرة 3 من اتفاقية فيينا 1988.
[7] المادة الاولى من القانون رقم 35 لسنة 2002.
[8] انظر المادة 324/1 من قانون العقوبات الفرنسي .
[9] المادة الاولى ،فقرة ب من القانون 70 الصادر في 2002.
[10] - محمد حركات، مداخلة حول" جريمة غسل الأموال" في إطار ندوات المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه، الندوة الجهوية السابعة، دار الطالبة، وجدة 31 ماي، 1 يونيو 2007.

[11] عادل علي المانع،"البنيان القانوني لجريمة غسيل الإموال، دراسة مقارنة في التشريع الكويتي و المصري و الفرنسي"، مجلة الحقوق الكويتية، العدد الاول للسنة 29 ،مارس 2003، ص 70.
[12] نفسه.
[13] نفسه.
[14] Voir: RENE Rodière: Droit Commercial, Groupements  commerciaux, 9eme édition, avec la collaboration de Bruno oppetit, Dalloz, 1977, p 409.   
[15] M.FREJAVILLE. MANUEL DE DROIT CRIMINEL. L.G.J.D.6éme édition.1948.p18.
[16] – هذه الجرائم هي:
- الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية.
- المتاجرة بالبشر.
- تهريب المهاجرين
 ـ الاتجار غير المشروع في الاسلحة و الدخيرة
 ـ الرشوة و الغدر و استغلالا النفود و اختلاس الاموال العامة و الخاصة
 ـ الجرائم الارهابية
 ـ تزوير النقود و سندات القروض و وسائل الداء الاخرى
[17] حول موقف المشرع الجزائري والفرنسي انظر:
- دليلة مباركة" غسيل الأموال" أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، تخصص القانون الجنائي، جامعة الحاج لخضرباتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية،، الجزائر، 2008-2007، ص 180 وما بعدها.

[18] Mohammed Drissi Alami Machichi; Manuel de droit Pénal général. Les éditions Magrébienes. Casablanca.1974.p293.

[19]  بشأن هذه المراحل راجع دليلة مباركة ، الاطروحة السابق الشارة إليها ، ص 17 وما بعدها.